خاطب فيهم الجانب الإنساني
أول مقال من هذه الزاوية صدر قبل 17 عاما في جريدة المدينة (وتحديدا في صفر 1412هــ) .. وأذكر حينها أن مخرج الصفحة فاجأني بطلب صورتي الشخصية لوضعها في رأس المقال . وفي لحظة استعجال بعثت له صورة طفولية "تعبانة" (لا تقارن بالرجل الوسيم الموجود أعلاه) .. وما أن ظهرت في الصحيفة حتى أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته فسارعت لإلتقاط مجموعة صور جديدة ــ بعثت أفضلها للصحيفة . غير أن الصورة الجديدة لم تظهر رغم محاولاتي المتكررة واتصالي برئيس التحرير ونائبه أكثر من مرة .. وحين استسلمت واقتنعت بصعوبة اقتلاعها من مكانها أتصل بي المسؤول عن الصفحة (بخصوص أحد المقالات) فقلت له في نهاية المكالمة :
"بالمناسبة ؛ الوالدة تسلم عليك وتقول انها تكره الصورة الحالية وياليت تغيروها" .. فضحك وقال "عشان الوالدة نغيرها من بكرة" ... وهذا ما حصل فعلا !
هذه القصة تـثـبت أن مخاطبة "الجانب الإنساني" في أي شخص قد تكون أكثر فعالية من المحاولات الرسمية أو إجباره بـالقوة .. فـحين تفشل المحاولات الرسمية ــ وحين ترتطم "الواسطة" بقوة النظام ــ قـد تنجح محاولة "العشم" ومخاطبة الجانب الإنساني النبيل ...
... ومن النماذج الأخرى التي أتذكرها "معـاملة حكومية " تعـثرت بسبب مسؤول شارف على التقاعد .. ورغم أنني تقدمت بشكوى ضده في أمارة المدينة ثم وزارة الصحة إلا أن الرجل لم يتزحزح عن موقفه بحجة تقيده بأنظمة وتعليمات "الوزارة" ..
وفي النهاية قررت زيارته في مكتبه كـآخر محاولة لإقناعه بوجهة نظري وصحة موقفي . وخلال حديثي معه لاحظت صورة طفل صغير وضعها بعناية فوق مكتبه (افترضت أنها لحفيده).. وحـين قـال متبجحا " كلمتي ما أغيرها من أجل وزير أو أمير أو واحد كبير" فـاجأتـه بقولي : " ولا من أجل هذا الصغـير" .. وعندها التفت بعفوية الى صورة الطفل ثـــــم قال مبتسما : "من أجل عين تكرم مدينة ؛ راجعني بكرة ويصير خير" .. وصار خــيـر فعلا !
وما ذكرني اليوم بهذين الموقفين قصة معلمة مصرية تدعى بدرية حسين خاطبت الجانب الإنساني لشاب سرق حقيبتها أثناء خروجها من مدرستها .. ولم تكن المشكلة في فقدان راتبها فقط ــ الذي استلمته للتو ــ بل في احتواء حقيبتها على هويتها الشخصية وبطاقاتها البنكية وهاتفها الجوال .. وفي حين حثها الجميع على ابلاغ الشرطة قررت الاتصال على اللص مباشرة (من خلال هاتفها الجوال الموجود في الحقيبة) .. غـير أن اللص أغلق الهاتف فـبعثت إليه رسالة لطيفة تقول فيها "أنا متأكدة بأنك شاب شهم ولولا ظروفك الصعبة لما أخذت الحقيبة ولهذا السبب يمكنك الاحتفاظ بالنقود ولكن أرجو إعادة أغراضي الأخرى".
وحين لم تستلم ردا بعثت اليه برسالة ثانية تقول فيها "مازلت أعتقد أنك شخص شريف ولهذا السبب لن أبلغ عنك الشرطة فأرجو إرجاع بطاقاتي التي لا تحتاج إليها" ..
وحين لم يجب بعثت إليه برسالة ثالثة تقول فيها : "كي أثبت لك صدق كلامي وأنني لن ابلغ عنك الشرطة لا تحضر بنفسك وابعث بقية المحتويات على عـنواني الموجود داخل الحقيبة" ..
وبعد 19 رسالة من هذا النوع استيقظت على جرس الباب يرن في ساعة متأخرة من الليـل .. وحين فتحت الباب وجدت حقيبتها على الأرض ــ بكامل محتوياتها ــ وبقربها ورده حمراء وعلبة شوكولاته !!
... ماذا نستفـيد من هذا كله :
أنسى الطرق الرسمية (فنحن شعوب عاطفية) .. وتجاهل المناصب الادراية (فجميعنا في النهاية بشر) .. ولا ترهبك الأنظمة والتعليمات (فالقوانين وضعت لتكسر) .. وجـرب مخاطبة مشاعرهم الإنسانية والبحث عـن "عـشم نبيل" تمثـله والدة عزيزة أو صورة تبتسم فوق المكتب ...
واووو مدونة حلوة وموضوع رائع جدا اتمنى لكم النجاح المبهر
صديقتكم الجديدة ساندى