Subscribe RSS

قرأت " أنا سر أبي " قصة جميلة للجوهرجي الأديب القاص " أحمد حسن فتيحي " وكتبتها لك كما هي لما تحمله القصة من مجموعة حكم موجهة لكلا الجنسين المقبلين على :

- الحياة العملية

- الحياة الزوجية

- أدب الحديث

- تواد وتراحم الزوج مع زوجته

- أدب الزوجة

- تربية الأبناء

أترك لكم الإستمتاع بقراءة القصة و التعليق

أنا سر أبي ..


لأحمد حسن فتيحي


لم تكن تلك القرية الصغيرة تحقق أحلامهم وآمالهم .. فأنطلق ثلاثتهم .. كل منهم يبحث عن بغيته .. رزقه ومستقبله ...

أخذ على عاتقه أن يكون مستقلا عن بقية زملائه.

فأتجه إلى المدينة المنورة بحثا عن علم ومال أو فرصة تتاح له ليخرج إلى نور المعرفة .. وأتجه زميلاه أحدهما إلى جدة.. والآخر إلى الطائف .. وعسى أن يتلاقوا يوما ما.

وبعد ربع قرن .. قدم من الطائف .. و ألتقيا سويا .. في جدة وقرروا السفر للمدينة ليسلموا على محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وصاحبيه.. وزيارة صاحبهما الذي ذاع صيته وعرفت مكانته.

وصلا إلى بيته .. فرحب بهما بفرحة كبيرة .. وعمره إحساس يوم أن كان هو وزملائه في الخامسة عشره من العمر.. وقد ذهب كل منهم إلى حاله..

كان بجانبه شابان .. كلا منهما كالبدر في طلعته .. والأسد في نظراته .. يحرسانه أو يرافقانه، أو يخدمانه .. قل ما شئت فهما لها ..

نظر إلى صاحبيه وقال : " إبني عبد العليم وإبني عبد الحكيم " فأقتربا منه ليباركا له والإبتسامة والمحبة تصافح وجوه الزملاء اللذين ألتقوا بعد غيبة طويلة .. يجمع الحب تلك القلوب .

بعد الضيافة وجداه رجلا غنيا مريدين.. ومكانا يرتاح له زواره.. وعلما ينتفع بت .. وحكمة يتميز بها في قوله وحركته.

أنفض القوم .. وجلس بين صاحبيه .. كلا منهما يذكر رحلته في الخمس وعشرين عاما الماضية.. والجميع يشكر الله أن أعاد لقاءهم في صحة وعافية..


*****

وبدأ صاحبنا حكايته فهو المضيف قال :

رحلت إلى المدينة وقد أشرقت شمس يوم جديد .. وبدأ القوم يتحركون إلى أماكن عملهم.. فالسوق يمتلئ بالباعة والمشترين .. حركة دءوبة.. روح متفائلة.. وأبتسامات متبادلة ..

سماحة في البيع .. ومثلها في الشراء .. شيء لم أتعود عليه ولم أره في قريتنا الصغيرة وأهلها.

وبينما أسير متعجبا.. امتدت لي يد لتعطيني صدقة .. فرددت إليه ذلك .. وقلت :

أني لست في حاجة .. قال :

" يا أخي لا تردني .. تصدق بها إلى غيرك فربما توفق أكثر مني .. وزد عليها من عندك إن أردت. "

وكان هذا أول درس تلقيته..

أمسكت بت .. وقلت " يا أخي أنا أتيت إليكم من قريتي لأتعلم.. فهل تأخذني معك تعلمني وأخدمك مقابل تعليمي ..؟

قال لي :

" سأآخذك إلى أهل العلم والتقى .. أما أنا فرجل عامي لا أستطيع أن أعطيك ما لا أملك "

*****

حان وقت صلاة الظهر.. وذهبت معه إلى الحرم وأدينا صلاة الظهر.. ومن ثم ذهبت معه إلى مكان غير بعيد وأنطلق بي إلى بيت فيه ( قوم كثيرون ) وخير كثير.. ومائدة عليها ما لذ من طعام وشراب ولذائد الفاكهة.. وتركني بعد أن قال ل هذا مكانك..

جلست ضمن من جلس الملتفين على المائدة وأكلنا من الأطايب مالم آكله من قبل .. طعما ونوعا .. وحمدت الله تعالى وهممت بالإنصراف مثلي مثل غيري .. ولكنني توقفت لعلي أجد جوابا لما يدور في ذهني.. وسألت عن هذا ..

فقيل لي إنه الشيخ العالم المربي .. وقد من الله عليه علما ومالا وهو ينفق من ماله ولا يبخل على الناس بعلمه.. وخاصة مريديه.. وهو الرجل المحبوب خلقا وكرما ..

إذا أختلف الناس أتوه مصالحا.. وإذا فرح الناس كان معهم .. وإذا أصابهم ما يصيب الناس كان أو المواسين.. ذو مروءة وشهامة ونخوة وتواضع وهيبة وحزم ورجولة وعطف وحنان لا يبخل ولا يسرف..

إذا أقبلت عليه مع غيرك فإنك تشعر بأنك الوحيد المقرب عنده.. يجمع بين المتضادين والخصوم .. وفي مجلسه السكينة والطمأنينة ..

حلو الحديث جميل الطلع .. ذو إبتسامة تفرح القلوب.. لم تراه يوما حزينا أو متألما أو شاكيا..

فكل شيء عنده قدر الله ومشيئته ..

***

أقبلت عليه بعد أن أصبحت الأخير وقلت:

ياسيدي .. أتيت هنا لأتعلم .. فهل تقبلني في بيتك تعلمني وأخدمك .. ومأكلي ومشربي ونومي عندك ؟ .. وقدكان .

مكثت في هذا البيت مع أستاذي خمسة أعوام أنهل العلم والمعرفة .

*****



أصبحت مميزا ومرافقا له .. أقرأ من المكتبة التي يملكها .. وأثابر وأجتهد .. وكان لي عنده مودة ومحبة ومنزلة خاصة .. فقد كان ودودا معي .. لا يتحرك إلا كنت رفيقه وخادمه.

وكنا يوما نتحدث في العلاقة بين النبي المصطفى صلوات الله عليه وسلامه وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم.. حديثا ممتعا.. ودمعت عيناي وبكيت حتى رق لحالي .. ولم أره يوما تسيل دموعه حتى أبتلت لحيته .. إلا في ذلك اليوم..

حتى في بكائه لا يصدر صوتا.. يوحي لك بأنه يبكي .. فالعين تدمع .. والقلب يحزن .. ولا صوت ينبهك لذلك .

ولا حظت أن هذه الحالة أصابته عندما مر على سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها .

وألتفت إلي جادا بوقاره المشهود وحنانه المعهود .. وسألني :

" الا تريد أن تتزوج ؟ "

" بلى "

أجبته .. ولكن كما ترى .. وكما قال سيدنا موسى ( ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير )

قال : " إذهب إلى أصحابك وأخطب مني أبنتي "

ذهبت إليهم فرحا مسرورا لخطبة إبنة شيخي وأستاذي ضحكوا مني جميعا .. وعرفت منهم أنه أتى إلى الشيخ من هو أكثر مالا وعلما ونسبا وحسبا ومعرفة وقربى، ولم يزوجها أحداً منه.. وعلمت منهم أنهم يعلمون أن لديه بنتا لم يرها أحد.. لا تزور .. ولا تزار .. وفي بيت أبيها ..

وكنت أعلم أن القوم يأخذون عليه ويعيبون هذا المسلك .. وأقنعتهم بأنني قد إستأذنت منه في التقدم ..

ذهبنا إليه .. وزوجني منها .. على أن أبقى معه طوال حياته في خدمته ووافقت..

دخلت من الباب الذي لا يدخله غيره .. ولا يعرف ما بداخله غير شيخي وأستاذي .. فرحا مسرورا منتشيا.. وفي طريقي سجدت شكرا لخالقي العاطي الوهاب ..

وطرقت الباب .. وإذا بي أما إمرأة ذميمة لا تملك من الجمال شيئا .. كانت مفاجأة غير محسوبة ..

*********

وأتى مني هذا الوجوم .. وهذه الصدمة التي أظهرها صمتي.. وتعبيرات وجهي .. بادرتني قائلة :

" لقد حدثني أبي عنك كثيرا.. ورأى منك وفيك ما لا يراه في غيرك.. "

" ولقد ائتمنك على سره .. ووثق في أمانتك وعهدك ووعدك "

ثم دفعت لي بمال وفير .. قائلة:

" خذ هذا المال وأذهب وتزوج .. لا تفضح أبي في سره .. فإني سر أبي .. "

نزلت على قلبي سكينة وطمأنينة وسادني هدوء نفسي عجيب .. وحادثتها .. فإذا بي أمام حكمة تفوق أبيها.. وعقل راشد يهدي للقلوب الأمل .. وأحترام للنفس يعطي الثقة .. وأناقة وكرم .. ولياقة ولباقة وكأني في نبعها في كلماتها.. ثقافتها في دينها .. بالخير تشع روحها .. وكأني في لحن ملائكي .. أو تغريد طيور عادت إلى وطنها .

لقد كانت ذكية .. ملهمة.. نفسها مطمئنة وقلبها آمن .. فيها من حكمة بلقيس .. ومن إيمان آسيا .. ومن دعم خديجة ..

أستثمرت قيمتي وكرامتي .. لقد كانت لي إلهام المستقبل .. تبعث في روح العلم والعمل ورزقني الله منها هذين الولدين وقد جاءا توأماً كلا منهما يشع جماله منذ ولا دته ..

سألتها يوماً " ما هذا الجمال الذي رزقنا الله ؟ "

قالت :

" لقد أخلصت الدعاء لله.. وأمعنت فكري وكل كياني لأن يرزقني الله ولدا كريما وسيما خلوقا أمينا تقيا بارا صادقا .. تعتز بصحبته ويكون لك سندا .. وأبا لك عند هرمك.. والكريم الأكرم رزقني بتوأم .. وأستأذنك في أن نسميهما عبد العليم و عبد الحكيم "

قلت :

" نعم الإختيار ولكن "

وقبل أن أكمل أستطردت قائلة :

" أقرأ .. ( إن ربي لطيف لما يشاء .. إنه هو العليم الحكيم ).. "

ولقد كان .

وقد فارقتني قبل عام .. ولم يعرف حكايتي هذه غيركما .. ولو كانت على قيد الحياة لما ذكرتها..

قال أحد ولديه : " لقد كانت حنونة رقيقة .. حازمة حاسمة صادقة.. عاشقة لله ورسوله.. كانت تتكل وهي لنا جميعا أما وأختا وابنة وصديقة.. تفرح بنا وتسعد بسعادتنا .. تتكلم بألحان هادئة ونغمة يطرب لها كياننا.. "

وأستكمل الصديق قصته :

" كنت أعمل وأحصي ليلا ما عندي.. "

قالت :

" لا تحصي ما عندك .. سوف يؤتيك الله كثيرا .. وأعرف كيف أتاك .. فإن الكمية لا تغير الكيفية "

قال الابن الأخير :

" رحمها الله .. لقد كنت عند قدميها في آخر يوم لها وقلت الصبر يا أمي.. "

قالت :

" يابني الصبر أقل الدرجات وأكبر منه الحمد مع الصبر .. وأكبر منهما الصبر مع الحمد والرضا .. والأكبر الأكبر.. الصبر مع الحمد والرضا والطمأنينة .. وإني صابرة حامدة راضية مطمئنة .. أوصيك بأبيك خيرا .. "

قال له أحد أصحابه :

" لا بد وأن تتزوج.. ! "

فرفع نظره إلى السماء وقال :

" إني في إنتظار اللقاء .. ! "

أحمد حسن فتيحي

جدة في 4/6/2008 م

مع التحية والتقدير

وليد شلبي

نقلت القصة كما هي

التصنيفات | 0 تعليقات

0 تعليقات على : “قصة قصيرة وحكمة”